
أشار الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إلى أن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان نعمة العقل، ومن خلال هذه القدرة الفريدة نشأت العلوم وتطورت الصناعات والفنون، مما ساهم في تقدم البشرية حتى وصلنا إلى عصر تتقارب فيه التقنية مع الإدراك البشري، حيث تتمكن من تحليل الأمور واتخاذ قرارات معقدة، وذكر أن الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا، بل هو امتداد للعقل البشري، ومن الطبيعي أن يُستخدم هذا الإنجاز العلمي لخدمة البشرية ضمن إطار من القيم والضوابط.
جاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر الخامس لكلية الآداب بجامعة المنصورة، الذي عُقد اليوم الأحد تحت عنوان: «الذكاء الاصطناعي أُسسه المنطقية وأبعاده المستقبلية».
وأوضح المفتي أن الإسلام يرفع من شأن العقل ويعتبره محور التكليف وأساس التكريم، وأن الشرع لا يتعارض مع العقل السليم، بل ينير له الطريق، مشيرًا إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تعتمد على المنطق الرياضي والتعلم الإحصائي ونمذجة المعرفة، وهي أدوات تعكس العقل البشري في أرقى صوره، وتنتج أنظمة قادرة على التعلم والفهم والتحليل والتشخيص، وأكد أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يُفصل عن استشراف المستقبل من جانبين: الأول هو الأمل في نفع البشرية، حيث إن ما يمكن أن تقدمه هذه التقنيات من تحسينات للحياة يعد أمرًا مهمًا، أما الجانب الثاني فيتعلق بالحذر من التهديدات والتحديات التي قد تنشأ عنها، فرغم مزايا الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يحمل تهديدات أخلاقية ومعرفية عميقة، وقد تصبح قرارات الآلة انعكاسًا لانحرافات الإنسان في مجالات متعددة.
وشدد المفتي على أن هذه التهديدات تتجلى بشكل واضح عندما يُستخدم الذكاء الاصطناعي في أعمال القتل، كما حدث في العدوان على غزة، حيث تم استخدام التقنية في تحليل الصور والتنبؤ بالحركات واستهداف الأحياء السكنية بدقة، مما أسفر عن وقوع آلاف الضحايا، مما يبرز الحاجة إلى ميثاق أخلاقي وإنساني عالمي ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي، ليس من منطلق السوق والربح، بل من منطلق العدل والرحمة وصيانة الكرامة الإنسانية، وأوضح أن الإسلام وضع طريقًا وسطًا في التعامل مع هذه التقنيات، يوازن بين الاحتفاء بالعقل وضبطه بالوحي، وأن الذكاء الاصطناعي لا يُقيم بذاته، بل بمآلات استخدامه، سواء في الخير أو الشر.
ودعا مفتي الجمهورية إلى صياغة ميثاق أخلاقي عالمي مستند إلى القيم الإنسانية ومقاصد الشريعة، وتعزيز البرامج التي تحصن الأجيال القادمة من الانبهار الأعمى بهذه التقنية، من خلال تنشئة تربوية ودينية تعلمهم أن التقنية وسيلة وليست غاية، كما دعا إلى ضرورة الموازنة بين العقل والنقل، موضحًا أن دار الإفتاء المصرية، ممثلة في الأمانة العامة، تتعامل مع واقع الذكاء الاصطناعي بوعي علمي رصين ومسؤولية شرعية، وأشار إلى أن دار الإفتاء ستعقد مؤتمرها العالمي العاشر بعنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»، يومَي 12 و13 أغسطس 2025، برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، لتأكيد دور المفتي المعاصر في التعامل مع النصوص والواقع المتغير.
وأشار المفتي إلى أن هذا المؤتمر جاء في وقته المناسب ليقطع الطريق على أولئك الذين يحاولون التقليل من أهمية العلوم الفلسفية والمنطقية، ويؤكد العلاقة بين العلوم الفلسفية وسائر العلوم الإنسانية والتجريبية، كما أوصى بأن تكون من ضمن مخرجات المؤتمر وتوصياته ضرورة المحافظة على تدريس المواد الفلسفية والمنطقية، تحقيقًا لواجب وإقرارًا بفضل.
وفي ختام كلمته، أكد مفتي الجمهورية أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه الاستقلال بصناعة الفتوى، لأنه يفتقد ملكة الفقه وروح المقاصد، داعيًا الشباب إلى التمييز بين أدوات المعرفة وأدوات الإفتاء، حيث إن برامج الذكاء قد تنتج فتاوى غير صحيحة تؤدي إلى فوضى فكرية، كما أشار إلى أن دار الإفتاء تستقبل الأفكار الإبداعية لتطوير الخطاب الإفتائي بما يتناسب مع تحولات المجتمع.
وقد شهد المؤتمر حضور عدد من القيادات الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس بجامعة المنصورة، يتقدمهم الدكتور شريف خاطر، رئيس جامعة المنصورة، والدكتور محمود الجعيدي، عميد كلية الآداب، والدكتور مسعد سلامة، وكيل الكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث.
مفتي الجمهورية خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي بجامعة المنصورة
مفتي الجمهورية خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي بجامعة المنصورة
مفتي الجمهورية خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي بجامعة المنصورة.