تحذيرات من تأثير السياحة غير المستدامة على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر

تحذيرات من تأثير السياحة غير المستدامة على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر

حذر الباحث والخبير البيئي الدكتور محمد عبدالغني من التأثيرات المتزايدة والخطيرة التي تتركها الأنشطة السياحية غير الرشيدة على البيئة البحرية في البحر الأحمر، وخصوصًا على بيئة الشعاب المرجانية التي تُعتبر من أكثر النظم البيئية هشاشة وتنوعًا، حيث أشار إلى أن الممارسات السياحية اليومية مثل الغوص والسباحة بالسنوركلينج دون ضوابط صارمة تؤدي إلى تدهور تدريجي للشعاب المرجانية قد يصل إلى نقطة اللاعودة.

وأوضح عبدالغني أن التلامس المتكرر بين الغواصين وسباحي السنوركلينج مع الشعاب المرجانية يتسبب في كسر الهياكل المرجانية الرقيقة وسحق المستعمرات المرجانية الحية، كما أن تحريك المعدات مثل تنكات الهواء والكاميرات أو الاصطدام العشوائي بالأجزاء المرجانية الحساسة يؤدي إلى تلف مباشر لمكونات الشعاب.

وأشار عبدالغني إلى أن حركة الزعانف العنيفة تثير الرواسب الناعمة القاعية التي تتطاير وتغطي أنسجة المرجان، مما يمنع عنها الضوء اللازم لعملية التمثيل الضوئي، فيتوقف تغذّيها وتخنق البوليبات الحية، مما يؤدي إلى إجهاد فسيولوجي حاد، يتسبب في طرد الطحالب التكافلية وظهور حالة مشكلة الابيضاض التي غالبًا ما تنتهي بموت الشعاب.

وأكد أن هذه الظواهر السلبية قد رُصدت بالفعل في عدة مواقع شهيرة للغوص مثل الغردقة وسهل حشيش وشرم الشيخ، مضيفًا أن المعدات الملوثة تنقل مسببات الأمراض البحرية، مما يسهم في انتشار أمراض قاتلة مثل مرض فقدان أنسجة حجر المرجان الصلب الذي تم رصده مؤخرًا في فلوريدا كيز كنتيجة مباشرة لازدياد أنشطة الغوص الجماعي.

واستندت تحذيرات عبدالغني إلى دراسات علمية دقيقة من مناطق مختلفة حول العالم، حيث تشير إحصاءات منشورة إلى أن ما بين 40 إلى 90٪ من الشعاب المرجانية الواقعة في نطاق الأنشطة السياحية تظهر عليها علامات تدهور ناتج عن التلامس البشري.

وفي جزر المالديف وثّقت إحدى الدراسات أن سباحًا واحدًا يمكن أن يثير سحابة رواسب واسعة يبلغ عرضها أربعة أمتار وارتفاعها يصل إلى متر ونصف، وتظل عالقة في المياه لمدة ساعة، مما يسبب عزل الضوء عن المرجان وتعطيل عملية البناء الضوئي الحيوي، أما في محمية بونير البحرية الوطنية فقد قُدّر أن وقوف زائر واحد على سطح المرجان قد يحدث ضررًا بمساحة متر مربع تستغرق عدة سنوات للتعافي.

كما أن مواقع الغوص التي يزورها أكثر من خمسين سائحًا يوميًا في منتزه إيفرجليدز الوطني بالولايات المتحدة فقدت حتى 60٪ من غطائها المرجاني مقارنة بمناطق غير مضطربة، وبيّن عبدالغني أن الخطر لا يكمن فقط في الفعل الفردي بل في التكرار اليومي لعشرات بل مئات السلوكيات الخاطئة من زوار غير مدرّبين، مما يحوّل هذا النظام البيئي الفريد إلى مساحات من الهياكل البيضاء الميتة.

ولفت إلى أن ما يبدو فعلًا بسيطًا مثل ضربة زعنفة أو لمسة عابرة يتحول على المدى الطويل إلى تدهور بيئي مزمن، وقد يتحول إلى كارثة صامتة تهدد مستقبل التنوع البيولوجي والسياحة البيئية معًا.

ودعا عبدالغني إلى ضرورة تطبيق حزمة من الإجراءات الوقائية الملزمة، وعلى رأسها التدريب المكثف للغواصين على التحكم في الطفو لتجنب ملامسة الشعاب، ومنع اللمس المباشر نهائيًا، واستخدام المسارات المائية المحددة لحركة السباحين، ومنع الوقوف على الشعاب المرجانية باستخدام سلالم خاصة للإنزال والطلوع.

كما شدد على أهمية الدور التوعوي للمرشدين البحريين وضرورة تقديم جلسات إلزامية للزوار قبل بدء النشاط البحري لتعريفهم بحساسية النظام المرجاني، وتخصيص مناطق عازلة لحظر الدخول إلى النطاقات المرجانية الهشة.

وشدد عبدالغني أن الحفاظ على الشعاب المرجانية لا يُعد رفاهية أو خيارًا بيئيًا فقط، بل هو ضرورة اقتصادية وإنسانية، لأن تدهورها يعني خسارة موائل لآلاف الأنواع البحرية وانهيار قطاع سياحي قائم على جمال هذه الشعاب، مشيرًا إلى أن حماية هذه الثروة الطبيعية تتطلب تكاتفًا حكوميًا ومجتمعيًا حقيقيًا.

وختم أن التأخر في التحرك سيجعل فرص الإنقاذ أكثر صعوبة وتكلفة، وربما مستحيلة في بعض المواقع، وأن الأجيال القادمة لن تغفر ما لم نحسن اتخاذ القرار في الوقت المناسب لحماية ما تبقى من هذا الإرث الطبيعي النادر من الشعاب المرجانية، لأن التكرار اليومي من مئات الزوار يراكم تدهورًا واسعًا ومزمنًا، لا يهدد فقط الشعاب المرجانية بل التنوع البيولوجي ومستقبل السياحة البيئية في البحر الأحمر وسواه، وأن حماية هذه الثروات البحرية تتطلب التزامًا جماعيًا وممارسات مسؤولة تحفظ للبيئة توازنها وللأجيال القادمة حقها في هذا الجمال الطبيعي.