
يتساءل الكثيرون بشكل متكرر، “هل أضع أموالي في البنك أم لا؟”، هذا السؤال يطرحه الناس في كل مكان، من جلسات العائلة إلى المقاهي وأماكن العمل، ورغم وجود العديد من الفتاوى من الأزهر ودار الإفتاء خلال السنوات الماضية، إلا أن النقاش حول مشروعية فوائد البنوك لا يزال مستمرًا وكأن الأمر لم يُحسم بعد.
في عدة مناسبات، أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن فوائد البنوك ليست ربا ولا تُعتبر محرمة، مشيرًا إلى أن التعامل مع البنوك في الزمن الحاضر يختلف تمامًا عن القروض التي كان يتعامل بها المرابون قديمًا، حيث أوضح أن البنك هو مؤسسة استثمارية تدير أموال المودعين وتستثمرها في مشاريع اقتصادية حقيقية، مما يجعل العائد الذي يحصل عليه المواطن ربحًا مشروعًا، مشددًا على أن الفتاوى التي تحرم الفوائد لم تعكس الواقع بدقة.
كما تبنى الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، نفس الرأي، حيث أكد أن الأرباح الناتجة عن إيداع الأموال في البنوك حلال شرعًا، خاصة إذا كانت أموال أيتام أو أرامل، لأنها وسيلة مشروعة لحفظ المال وتنميته.
أما الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فقد أشار إلى أن البنوك لم تكن موجودة في الفقه التقليدي، لذا لا يمكن قياسها على الربا المحرم قديمًا، وأضاف أن المعاملات البنكية الحديثة تحقق مصالح اقتصادية وتحافظ على كرامة الأفراد، على عكس الاستدانة المباشرة من الأشخاص التي قد تؤدي إلى استغلال المستدين.
فيما ذهب الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، إلى أبعد من ذلك، حيث أكد أن فوائد البنوك حلال قطعًا وليست من الربا، موضحًا أن الأئمة الأربعة قد أكدوا أنه لا ربا في الأموال المعاصرة لأن الأوراق النقدية لم تعد مرتبطة بالذهب والفضة، مشيرًا إلى أن البنك يقوم بدور اقتصادي حيوي في تنظيم دخول وخروج الأموال، مما يحافظ على استقرار السوق، بينما القروض الشخصية بين الأفراد قد تضر بالاقتصاد.
الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر، يرى أن هناك خلطًا كبيرًا بين الاستثمار والربا، مؤكدًا أنه لا يوجد شيء اسمه بنوك إسلامية وبنوك ربوية، بل إن هذا التصنيف تم إنشاؤه لأغراض سياسية واقتصادية، وشدد على أن الاستثمار في البنوك جائز لأنه يدخل في إطار المضاربة المشروعة التي عُرفت في الفقه الإسلامي منذ القدم.
أما الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فقد أكد في حوار سابق أن النقاش حول المعاملات البنكية الحديثة ما زال قائمًا ولم يُحسم بشكل نهائي، مضيفًا أنه لم يتم الاتفاق حتى الآن، فبعضهم يعتبرها ربا، وآخرون يرونها معاملات حديثة نتيجة اضطراب، وما زال الناس يتساءلون: “هل أضع أموالي في البنك أم لا؟”
وأوضح الطيب أنه خلال فترة توليه منصب المفتي كان هذا السؤال يُطرح عليه أسبوعيًا من مختلف الجهات، مشيرًا إلى أنه قال حينها إنه إذا كان الشخص يودع أمواله في البنك بنية القرض، فهذا ربا وحرام، أما إذا كان يودعها بنية الاستثمار ويكون البنك وكيلًا عنه ويرضى بما يحصل عليه، فهذا حلال، موضحًا أنهم اضطروا إلى هذا لأن هناك مجامع فقهية تحرمها وأخرى تقول إنها حلال.
أما الشيخ محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الراحل، فقد كان واضحًا وحاسمًا في قضية فوائد البنوك، حيث أفتى بأن فوائد البنوك والمصارف المالية المحددة مسبقًا مباحة شرعًا ولا تُعتبر من الربا المحرم، معتبرًا أنها صورة من صور ضمان أموال المودعين وليست استغلالًا لهم.
وأضاف طنطاوي أن التعامل مع البنوك من الأمور المستحدثة التي لم تكن موجودة في زمن الرسول، وبالتالي فهي تخضع لاجتهاد الفقهاء وفق ما تفرضه تطورات العصر، مؤكدًا أن تحديد الفائدة مسبقًا يضمن استقرار المعاملات وحماية أموال الناس، ولا يدخل في إطار الربا الذي كان يمارسه المرابون قديمًا بأضعاف مضاعفة على المدينين.
على الجانب الآخر، يقف فريق كبير من العلماء يتبنى التحريم، وعلى رأسهم الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي قال في إحدى خطبه إنه لا يجوز أن نحلل ما حرمه الله، فليس الربا مقتصرًا على الأضعاف المضاعفة كما يظن البعض، بل أي زيادة مشروطة على رأس المال هي ربا، ومن الورع الابتعاد عن الشبهات، وكان الشعراوي شديد التحذير من محاولات التخفيف تحت أي مسمى، مؤكدًا أن الأصل في هذه القضية هو التحريم.
وينضم إلى هذا التيار الرافض كل من الشيخ جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر الراحل، الذي اعتبر أن الفوائد المحددة مسبقًا على الشهادات البنكية هي “ربا زيادة محرم شرعًا”، بينما الاستثمار وفق المضاربة الشرعية، أي مشاركة البنك في الربح والخسارة دون تحديد نسبة مسبقة، جائز، أما العالم الكبير محمد أبوزهرة فقد كان أكثر تشددًا حين أكد أن “ربا المصارف هو ربا القرآن” وأن تحريم الربا يشمل الاستثماري والاستهلاكي.
مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر كان قد أصدر فتوى تاريخية أباح فيها التعامل مع البنوك وأخذ الفوائد باعتبارها عائدًا استثماريًا مشروعًا، وكان الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، أبرز الموقعين عليها، مما أثار جدلاً واسعًا بين العلماء، لكن هذا الجدل لم يوقف أصواتًا بارزة مثل الشيخ عبدالعزيز بن باز، المرجع الوهابي، الذي قال إن القول بحل فوائد البنوك هو “تحليل لما حرمه الله”، مستشهدًا بالآيات القرآنية التي تحذر من أكل الربا.