ديما الفلسطينية تحقق إنجازًا استثنائيًا: 93.7% في امتحانات الثانوية العامة وتتفوق في اختبار الحياة والعلم

ديما الفلسطينية تحقق إنجازًا استثنائيًا: 93.7% في امتحانات الثانوية العامة وتتفوق في اختبار الحياة والعلم

فى زمن تتعرض فيه المدارس للقصف وتنهار البيوت على رؤوس ساكنيها، ويصبح الكتاب هدفًا سهلًا، خرجت ديما من بين ركام غزة، تحمل حقيبة مملوءة بالصبر، وقلبًا يملؤه الخوف، وعقلًا لم يفقد إيمانه بقوة العلم، لم تكن رحلتها إلى القاهرة مفروشة بالأمل، بل كانت مليئة بالألم، ورغم كل ذلك، كتبت اسمها بحروف من ذهب على لوحة الشرف، محققة 93.7٪ فى الثانوية، لتظهر أن التفوق يمكن أن يولد حتى تحت نيران الحرب.

فى ركن صغير من منزل بسيط بالقاهرة، جلست أميرة، امرأة فى الثلاثينيات من عمرها، تحتضن ابنتها وسط إخوتها، وهم ما تبقى لها من أسرتها الكبيرة التى مزقتها الحرب، بينما تملأ أصوات التكبير والأغانى أجواء المكان فرحًا بنجاح أختهم، لكن الكلمات تختنق فى حلق ديما، التى حققت 93.7٪ فى القسم الأدبى، قادمة من قلب الحرب فى غزة، تحمل ذكريات الحصار، وشظايا من ماضٍ مؤلم لم يمحُها الزمن.

«كنت أنا وابنتى نجلس بهدوء، لم نتوقع أن الساعة قد حانت، وفجأة، انقلبت الدنيا رأسًا على عقب»، هكذا بدأت أميرة تروي حكايتها، مليئة برائحة الدخان، وصراخ الموت، وأصوات القذائف التى أحاطت بحلمها فى الأمومة والتعليم.

تتابع أميرة حديثها لـ«المصرى اليوم»: «تركنا بيوتنا تحت تهديد السلاح، حملنا العلم والكتب، وتركنا خلفنا كل ما نملك، وانطلقنا إلى الجنوب، كما قال العدو، لكن حتى هناك لم ننجُ، وفى ليلة مظلمة، قُصف البيت، وسقطت الأشلاء أمام أعيننا».

تركت أميرة ثمانية من أولادها وسط الحرب، ونجت بأربعة فقط، وتوجهت بهم إلى مصر، أما الضربة القاصمة فكانت حين وصلها نبأ استشهاد شقيقها، الذى كان لها بمثابة السند، «لم يعد يهمنى شىء بعده سوى إنقاذ أطفالى من هذه الحرب».

ديما حازم، ابنة أميرة، طالبة من غزة، تحمل ذكريات طفولتها ودراستها بين جدران مدرسة الزهراء الثانوية للبنات، كانت تدرس فى الصف الثانى الثانوى عندما اندلعت الحرب الأخيرة، لم تكن تعلم أن ما ينتظرها ليس امتحانًا فى المدرسة، بل اختبار حياة أو موت.

فى هذا الإطار، قالت ديما لـ«المصرى اليوم»: «الظروف التى عشتها كانت سرقة علنية لأحلامى، لم أجد كتابًا أدرس فيه، فقد تناثرت كل الأشياء بين ركام البيت، خرجت من غزة لا أحمل سوى هويتى وعزتى»، تقول ديما بصوت يختلط فيه العزيمة بالحزن.

لكنها لم تستسلم، رغم الخوف الذى رافق كل لحظة، ورغم اليد المرتجفة والقلب المتوجس، كانت تستيقظ قبل الفجر لتدرس حتى قبيل الظهر، حاولت أن تتخلى عن الدراسة، لكن صوت أمها كان أقوى من أى شىء، «أمى غضبت عندما قررت التوقف عن الدراسة، قالت لى: هذا ما يتمناه العدو، أن نجهل ونتخلى عن أحلامنا».

بتشجيع من أمها وأختها، عادت ديما لتحمل سلاحها من جديد: القلم، التحقت بمنصة التعليم التابعة لوزارة التربية والتعليم العالى فى فلسطين، المخصصة لأهل غزة والضفة، وسجلت اسمها من جديد عبر الإنترنت.

كانت تتابع محاضراتها من خلال الدراسة عن بُعد، عبر الإنترنت، وساعدتها مدرسة «عبد العزيز السيد» بمدينة نصر بالقاهرة فى توفير بيئة بسيطة تمكنها من المذاكرة.

«الاختبارات الورقية وصلت من الضفة إلى مصر فى يونيو، وبدأنا فى 21 يونيو وانتهينا فى 9 يوليو، وصباح الأحد، 27 يوليو، ظهرت النتيجة: 93.7٪»، تقول ديما بابتسامة شاحبة لكنها مفعمة بالكرامة.

«أنا ناوية أدخل كلية ألسن فى مصر، كان هدفى ومازال»، تتابع ديما، وكأنها ترسم خارطة طريق نحو مستقبل لم تتمكن الحرب من إجهاضه.

فى زمن ضاق فيه الأمل، قررت ديما أن تضع حروف اسمها على لوحة الشرف، لا لتُقال فقط، بل لتُقرأ أمام العالم بأسره، تقول فى ختام حديثها:

«مهما حاول العدو أن يزعزع أحلامنا، سيظل العلم رمز قوتنا وسلاحنا، شهادتى فخر لى ولغزة، ولشهدائنا، ولأسرانا، أهدى نجاحى لغزة، وأتمنى أن تزول هذه الغمة ويعود لنا الوطن كما كان».

وتضيف: «أشكر أمى وأبى وإخوتى وأساتذتى، وكل من ساندنى فى أرض مصر، وأبارك لجميع الطلبة الناجحين، ومهما اشتد سواد الليل، فإن فجر الله قريب، لا محالة له».

ديما لم تنجح وحدها، بل نجحت باسم جيل بأكمله حرم من أبسط حقوقه فى التعليم، لكنها أثبتت أن غزة لا تُهزم، وأن العلم لا يُقصف، ومن بين الدماء والدموع، خطّت قصتها كرسالة للعالم تقول فيها: «قد يسقط السقف فوق رؤوسنا، لكننا سنبنى المستقبل من جديد.. بالكلمة لا بالرصاصة».