
في إطار جهود مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء لرفع الوعي المجتمعي ونشر المعرفة حول قضايا التنمية، يقوم المركز بشكل دوري باستكتاب مجموعة من المسؤولين والخبراء والمتخصصين في مجالات متنوعة، لنشر مقالاتهم في إصداراته الدورية، وفي هذا السياق، نشر المركز مقالًا للمهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، بعنوان «استراتيجيات التحول الطاقى طموحات.. مبادرات.. تحديات» في افتتاحية العدد الخامس من مجلة المركز «سياسات مناخية».
أوضح المهندس كريم بدوي في مقاله أن التحديات المتزايدة التي يواجهها قطاع الطاقة عالميًا جعلت التحول في هذا المجال أولوية استراتيجية وليس مجرد رفاهية، مشيرًا إلى أن هذه الأولوية تفرضها الحاجة إلى تأمين إمدادات الطاقة للدول وشعوبها، لذا يجب أن تكون سياسات الطاقة قادرة على مواجهة ما يُعرف بـ«المعضلة الثلاثية – Energy trilemma» والتي تتعلق بتوفير طاقة آمنة وموثوقة وبسعر مناسب، وكيفية تحقيق ذلك دون الإخلال بالالتزامات المناخية أو تضرر البيئة للأجيال القادمة.
استعرض وزير البترول خارطة طريق لدعم أهداف التحول في مجال الطاقة، مؤكدًا أن الحكومة الحالية وضعت ملف الطاقة في مقدمة أولوياتها، لذا كان من الضروري وضع استراتيجية عمل جديدة لتعزيز أمن الطاقة والتحول التدريجي في القطاع، حيث بدأت وزارة البترول والثروة المعدنية في تنفيذ استراتيجية تتضمن ستة محاور رئيسة، يأتي في مقدمتها تكثيف أعمال الاستكشاف والإنتاج لزيادة القدرات الإنتاجية بما يلبي احتياجات المواطنين بأسعار معقولة، وتعظيم الاستفادة من البنية التحتية في مجال تكرير البترول وإنتاج البتروكيماويات، ويبرز هنا دور مشروعات الهيدروجين الأخضر والوقود المستدام التي تعمل الوزارة على تطويرها في إطار جهود الانتقال الطاقي.
وفي هذا السياق، يأتي المحور الرابع لدعم التوسع في استخدامات الطاقة المتجددة، حيث يعمل الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، على رفع نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المصري إلى 42% بحلول عام 2030، ومن خلال دمج الطاقة المتجددة بشكل أكبر، سنتمكن من تقليل الاعتماد على الوقود التقليدي في توليد الطاقة، مما يسهم في خفض فاتورة الاستيراد وتقليل الانبعاثات بما يتماشى مع رؤية الدولة المصرية للتنمية المستدامة.
وأضاف المهندس كريم بدوي أن تحقيق الأهداف السابقة يتطلب أيضًا التركيز على السلامة وكفاءة الطاقة، حيث يبدأ المحور الخامس بالحرص على سلامة العاملين، ثم يأتي بعد ذلك رفع كفاءة استخدام الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية في أنشطة البترول والغاز، واللذان سيظلان جزءًا من مشهد الطاقة لعقود قادمة، لكن بأساليب مستدامة، وفي المحور السادس، يتم تعزيز التكامل الإقليمي كركيزة أساسية للتحول الطاقي.
أشار المهندس كريم بدوي إلى أن التحول في مجال الطاقة لا يعني التخلي عن المصادر التقليدية، بل يتطلب تحسين أساليب إنتاجها واستهلاكها بشكل أكثر كفاءة، حيث تعتبر كفاءة استخدام الطاقة فرصة كبيرة لتحقيق تحول تدريجي وآمن، وقد اتخذت وزارة البترول خطوات ملموسة لتحسين كفاءة الطاقة، من إصدار استراتيجية كفاءة الطاقة لقطاع البترول، إلى تنفيذ نحو 358 مشروعًا لتحسين الكفاءة، مما أسفر عن تحقيق وفر يصل إلى 138 مليون دولار أمريكي، كما تم التعاون مع المملكة العربية السعودية لإعداد برنامج وطني لكفاءة استخدام الطاقة في مصر كنموذج لإدارة الطاقة المستدامة.
كما استعرض وزير البترول والثروة المعدنية مشروعات إنتاج الهيدروجين والوقود الأخضر، موضحًا أن الدولة المصرية تولي اهتمامًا كبيرًا بملف الهيدروجين كأحد الركائز الرئيسية للتحول الطاقي وخفض الكربون، حيث تم الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون في أغسطس 2024، والتي تهدف إلى جعل مصر من الدول الرائدة في هذا المجال، حيث تحمل هذه الاستراتيجية فرصًا اقتصادية واعدة تشمل توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل وتعزيز توطين صناعة مكونات إنتاج الهيدروجين.
وفي إطار دعم مناخ الاستثمار، شاركت وزارة البترول في إعداد مشروع قانون يحفز إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته عبر حزمة من التيسيرات، بما في ذلك حوافز نقدية وإعفاءات ضريبية، بالإضافة إلى مزايا الحصول على الموافقة الموحدة (الرخصة الذهبية) لتسهيل الإجراءات، كما تم اقتراح إنشاء «المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته» برئاسة رئيس مجلس الوزراء ليقود التنسيق على أعلى مستوى لدفع هذا الملف إلى الأمام.
ومن جهة أخرى، يبرز مشروع «دمياط للأمونيا الخضراء» كأحد النماذج الرائدة، حيث يتم تنفيذ المشروع عبر شراكة بين الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات، وسكاتك النرويجية، وموبكو لإنتاج 150 ألف طن سنويًا من الأمونيا الخضراء باستثمارات تقارب 910 ملايين دولار أمريكي، وخلال زيارة رئيس الجمهورية إلى النرويج في ديسمبر الماضي تم توقيع اتفاقية مع شركة «يارا» لتسويق الإنتاج بالكامل، مما يمثل ضمانة قوية لنجاح المشروع، كما تعمل الوزارة أيضًا على تنفيذ أول مشروع لإنتاج وقود الطائرات المستدام من زيت الطعام المستعمل ومشروع إنتاج الإيثانول الحيوي.
تحدث وزير البترول عن التحديات التي تواجه التحول في مجال الطاقة، مؤكدًا أن الوزارة تدرك التحديات العالمية المرتبطة بهذا التحول، خاصة ارتفاع تكاليف الإنتاج لمشروعات الوقود الأخضر، بما في ذلك تكاليف إنشاء البنية التحتية، مما يتطلب استثمارات ضخمة من الدول النامية، كما أن غياب أسواق منظمة للهيدروجين الأخضر ومشتقاته يمثل تحديًا، حيث يتطلب الأمر ضمان وجود مشترين وتوقيع اتفاقيات شراء مسبقة، بالإضافة إلى الدعم المباشر من الدول المتقدمة الأكثر طلبًا للهيدروجين الأخضر.
من هذا المنطلق، تواصل وزارة البترول والثروة المعدنية تعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين لتأمين عقود شراء وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات، بما يدعم تنفيذ مشروعات فعلية تضع مصر في مكانة إقليمية كمركز لتداول الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
ورغم التوسع العالمي في آليات التمويل الأخضر وتزايد المبادرات لدعم مشروعات الطاقة المستدامة، لا يزال التحدي قائمًا أمام العديد من الدول النامية للوصول إلى مصادر التمويل الميسر، حيث يتطلب توفير التمويل الأخضر مرونة وإتاحة تمويل منخفض التكلفة للقارة الإفريقية، إلى جانب توفير الدعم التكنولوجي وتوطين الصناعة وبناء القدرات، وهو ما تنادي به مصر في المحافل الدولية.
وفي ختام مقاله، أكد المهندس كريم بدوي على أهمية الإسراع بتحول الطاقة، مشددًا على ضرورة تبني نهج واقعي وعادل يأخذ في الاعتبار خصوصية أوضاع الدول النامية واحتياجاتها التنموية، حيث لا يمكن أن يتم تحول الطاقة بمعزل عن ضمان حق الشعوب في الحصول على طاقة آمنة ونظيفة، إلى جانب توفير تمويل ميسر يضمن تنفيذ مشروعات التحول الطاقي دون تحميل هذه الدول أعباء إضافية.