“نجوم الأدب والفكر: كيف يتألق المبدعون دون شهادات ثانوية؟” (تقرير شامل)

“نجوم الأدب والفكر: كيف يتألق المبدعون دون شهادات ثانوية؟” (تقرير شامل)

في الثقافة المصرية، تُعتبر الشهادة هي الخطوة الأولى نحو الحياة الجامعية، ومن ثم العملية، فهي لحظة محورية في حياة كل طالب، بل يراها الكثيرون بمثابة «المعركة الكبرى» التي تحدد مصير الإنسان، لكن الواقع غالبًا ما يثبت أن الطرق العظيمة لا تُرسم دائمًا داخل قاعات الدراسة النظامية، فبعض الأسماء اللامعة في مجالات الأدب والفكر لم يمروا من هذه البوابة، بل تمكنوا من شق طريقهم بفضل الموهبة، والقراءة الحرة، والتجارب الإنسانية العميقة، حتى أصبحوا رموزًا لا تُنسى في الثقافة المصرية والعربية.

فيما يلي، نستعرض مجموعة من أبرز الأدباء المصريين الذين لم يكملوا تعليمهم حتى مرحلة الثانوية، لكنهم تركوا بصمات خالدة في الساحة الأدبية والثقافية.

عباس العقاد.. عملاق الفكر الذي لم يتجاوز الابتدائية

[image:7:center]

يُعتبر عباس محمود العقاد، الذي وُلد في 28 يونيو 1889، مثالاً بارزًا على أن التعليم الذاتي يمكن أن يُنتج عبقريًا، فقد توقف العقاد عن الدراسة في وقت مبكر، ولم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية، لكنه قرأ آلاف الكتب، وكتب في مجالات متنوعة مثل النقد، والفلسفة، والتاريخ، والأدب، والدين.

بلغ إجمالي مؤلفاته 89 كتابًا، وكان من مؤسسي “مدرسة الديوان” الأدبية التي دعت إلى تجديد الشعر العربي، والتخلص من الجمود الكلاسيكي، كما كتب العديد من الكتب الفكرية التي تُدرس وتُترجم حتى اليوم.

رفض العقاد الحصول على جائزة الدولة التقديرية والدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، مؤكدًا أن قيمته تأتي من فكره وليس من شهاداته، وكان كمن يقول للمؤسسات: “أنا أعلى من ألقابكم”.

إبراهيم أصلان.. عامل البريد الذي صار أيقونة روائية

صورة أرشيفية: للكاتب والأديب المصري إبراهيم أصلان. – صورة أرشيفية

لم يحصل الروائي الكبير إبراهيم أصلان على شهادة الثانوية العامة، بل التحق بمدرسة لتعليم فنون السجاد، ثم انتقل إلى مدرسة صناعية، قبل أن يتركها دون أن يكمل تعليمه، وعمل في مصلحة البريد لفترة طويلة، حيث استلهمت كتاباته من شوارع القاهرة القديمة.

ورغم عدم إكماله التعليم النظامي، أصبح أصلان من أعمدة الرواية المصرية الحديثة، وتُوِّج مشواره الأدبي بعدة جوائز مرموقة، منها: • جائزة طه حسين من جامعة المنيا عن رواية “مالك الحزين” عام 1989 • جائزة الدولة التقديرية في الآداب 2003 – 2004 • جائزة كفافيس الدولية عام 2005 • جائزة ساويرس في الرواية عن “حكايات من فضل الله عثمان” عام 2006 • جائزة النيل في الآداب عام 2012.

لقد أثبت أصلان أن الموهبة لا تحتاج إلى أوراق اعتماد، بل إلى روح صافية ترصد الواقع وتحوله إلى أدب خالد.

أحمد فؤاد نجم.. الشاعر الذي علم نفسه ومجّد الشعب

– صورة أرشيفية.

لم يلتحق الشاعر الشعبي أحمد فؤاد نجم بأي مؤسسة تعليمية عليا، ولم يحصل على شهادة الثانوية العامة، بل بدأ تعليمه في كُتّاب قريته بمحافظة الشرقية، ومع ذلك أصبح أحد أعمدة شعر العامية في مصر، وواحدًا من أبرز الأصوات الشعرية المتمردة على الظلم والفساد.

عُرف نجم بمواقفه السياسية الجريئة، وتعاونه مع الشيخ إمام في تقديم أشعار غنائية هزت الشارع المصري والعربي، وقد سُجن عدة مرات، وقضى ما مجموعه 18 عامًا خلف القضبان بسبب كلماته.

بعد ثورة يناير 2011، كان من المؤسسين لحزب المصريين الأحرار، تأكيدًا لاستمراره في النضال من أجل العدالة الاجتماعية والحرية.

جمال الغيطاني.. من «الصنائع» إلى سُدة الرواية والصحافة

جمال الغيطاني – صورة أرشيفية.

لم يكن الروائي والصحفي الكبير جمال الغيطاني من الحاصلين على الثانوية العامة، إذ تخرج من مدرسة الفنون والصنائع بحي العباسية، لكنه امتلك مشروعًا روائيًا فريدًا أعاد من خلاله قراءة التراث المصري والإسلامي، مستلهمًا روح اللغة القديمة، ومنسوجًا عوالمه على طراز المعمار والتاريخ الصوفي والفرعوني والعباسي.

برع الغيطاني في توثيق وقائع الحاضر من خلال استلهام الماضي، وتحول إلى أحد أبرز كتّاب مصر في القرن العشرين، خصوصًا من خلال أعمال مثل “الزيني بركات” و”التجليات”.

محمد مستجاب.. ساخر الصعيد المثقف بالجهد الشخصي

الروائي محمد مستجاب – صورة أرشيفية.

لم يكمل محمد مستجاب تعليمه الثانوي، وتوقف قبل الحصول على الشهادة العامة، لكنه سعى لتثقيف نفسه بجهود ذاتية، فالتحق لفترة بمعهد الفنون الجميلة، ثم انخرط في عالم العمل، متنقلًا بين وظائف مختلفة حتى استقر به الحال في مجمع اللغة العربية، الذي أثرى تجربته الأدبية واللغوية.

تميز مستجاب بأسلوب ساخر فريد، جمع بين عمق الفكرة وخفة الظل، واستلهم من البيئة الصعيدية موضوعات قصصه وأدبه، فقدم أعمالًا تمزج بين الواقعية والفانتازيا، والتهكم الرهيف على تناقضات المجتمع.

الإبداع لا يحتاج شهادات

إن هذه القصص تؤكد أن غياب الشهادة الثانوية أو المؤهل الجامعي لم يكن عائقًا أمام أولئك الذين امتلكوا شغفًا حقيقيًا بالكلمة، وواصلوا التعلم بطريقتهم الخاصة، وأثبتوا أن الإبداع لا يُقاس بالدرجات الدراسية، بل بالقدرة على لمس وجدان الناس والتعبير عنهم، إنهم رموز خالدة تُلهم الأجيال بأن الطريق إلى التميز والاختلاف لا يُعبَّد دائمًا بالمسارات التقليدية، بل بالشغف، والموهبة، والإصرار.