
في قلب القاهرة، حيث تتداخل الأزقة القديمة مع المناطق الراقية، يتجول رجل بعربته الخشبية أو «تروسيكل» محملاً بالتين الشوكي، تلك الثمار الشائكة التي تحظى بشعبية كبيرة، يلمع التين في أيدي باعة الشوارع من منطقة الأزهر إلى جاردن سيتي، ويتغير سعره بحسب لهجة الزبون وموقع العربة، فهنا تُباع الثمرة بـ3 جنيهات، بينما هناك تُعرض بسعر 15 جنيهًا للواحدة.
رحلة «إقرأ نيوز» بين أحياء القاهرة المختلفة تكشف عن الوجهين الشعبي والبرجوازي لفاكهة واحدة، حيث يجمعها الطعم وتفرقها الجغرافيا، يبدأ طريق التين الشوكي من الوجه القبلي، وخصوصًا من الفيوم والمنيا وأسيوط والقليوبية، حيث يتحمل النبات شح المياه وحرارة الشمس، تُجمع الثمار في الصباح الباكر لتقليل التلف، ثم تُنقل في صناديق إلى أسواق الجملة الكبرى مثل العبور و6 أكتوبر.
ويشرح الحاج علاء، تاجر جملة في سوق العبور، قائلاً: «الصندوق يحتوي على حوالي 100 حبة، ويُباع حسب الجودة بأسعار تتراوح بين 200 و300 جنيه، البائع يوزع الكمية على نفسه، فبعضهم يبيعها مقشرة أو بالجملة، وكل واحد حسب خبرته» ويضيف أن يوم الجمعة هو الأكثر رواجًا، حيث يرتفع الإقبال وتشتد المنافسة بين الباعة، خاصة قرب محطات المترو والمساجد الكبرى والأسواق.
«مش مهم الشمس.. المهم أرجع بقرشين حلوين لأولادي»، هكذا بدأ «رمضان»، شاب ثلاثيني، حديثه معنا بينما كان يقشر التين الشوكي ببراعة أمام الجامع الأزهر، حيث قال: «بقالي 8 سنين بشتغل في التين الشوكي، أبدأ من الفجر أشتري من سوق الجملة، وأقف من 9 الصبح حتى غروب الشمس، والرزق على الله، في ناس بتيجي كل يوم، وفي ناس بتقف تبص وتضحك وتمشي» بعربته المتواضعة وزيه البسيط، يمثل رمضان صورة آلاف الشباب الذين يعيشون موسم التين الشوكي كما لو كان موسم حصادهم الوحيد في السنة.
في جولة «إقرأ نيوز» بين المناطق، كان الفارق السعري كبيرًا، ففي منطقة الأزهر، وعلى ناصية شارع الغورية، يباع التين الشوكي بثلاثة جنيهات للثمرة الواحدة، بينما في شارع المبتديان المتفرع من شارع قصر العيني، كان محمد، أربعيني يصطحب ابنته على تروسيكل صغير، يبيع الواحدة بسعرين مختلفين: «الصغيرة بـ3.5 والكبيرة بـ5 جنيه، الناس هنا بتحب التين الكبير لأنه ما بيبقاش مليان بزور».
لكن على بُعد خطوات، وبعد اجتياز شارع قصر العيني إلى جاردن سيتي، كان المشهد مختلفًا، حيث رجل ستيني يدفع عربته الخشبية القديمة، يبيع نفس التين بنفس اللون والشكل، لكن بسعر 10 جنيهات للثمرة، وفي مناطق أخرى، قد تُعرض الواحدة بسعر 15 جنيهًا تحت لافتة أنيقة تحمل عبارة «Organic Cactus Fruit».
كما هو الحال في كل مهنة، تجارة التين الشوكي لا تخلو من الحيل أو التجاوزات، يقول «عم سيد»، بائع قديم من باب الشعرية: «خلي بالك من الغامقة، دي نضجت زيادة وممكن تكون بدأت تخمر، وفيه ناس بتغسل التين في مياه وسخة عشان يلمع، بس ده بيبوظه وبيخلي طعمه وحش» ويضيف أن بعض الباعة يقشرون كميات كبيرة مسبقًا، ويعرضونها لساعات طويلة دون تبريد، ما يعرضها للتلف أو التلوث.
أما بالنسبة للمستهلكين، فالتين الشوكي لا يقتصر على طبقة دون أخرى، لكنه يكشف عن اختلاف الأذواق والذكريات، حيث قالت «نجلاء»، أربعينية من بولاق بابتسامة حنين: «أنا بأحب التين الشوكي لأنه بيفكرني بأيام زمان، وإحنا صغيرين كنا نستناه في الشارع ونقشره بإيدينا ونضحك لما نتلسع» بينما وضعت «منة»، ثلاثينية من عين شمس، شروطها: «أنا مش باكله غير لما يكون مقشر ونضيف، مرة جربت آخده من عربية في وسط البلد ولسعني ومقدرتش أكمل».
رغم تقلب الأسعار واختلاف البائعين، يظل التين الشوكي حالة صيفية مصرية خالصة، فاكهة لا تُشترى فقط، بل تُتذكر، فاكهة الشارع والطفولة، تجمع بين الغني والفقير، مهما تباعدت الأحياء وتباينت اللافتات.